📝 *معركة ملاذكرد التي تُبكي من قراءة تاريخها*
✍ بقلم : محمد ضياء عمر
_بعد أن توسع السلاجقة الأتراك في الشام وتمكنوا في نفس الوقت من صد الهجمات البيزنطية، قام السلطان ألب أرسلان في عام 463 هـ بحملة كبيرة على الأقاليم النصرانية المجاورة لحدود دولته، وقاد جيشه نحو جنوب أذربيجان واتجه غربًا لفتح بلاد الكرج والمناطق المطلة على بلاد البيزنطيين، وانضم إليه وهو في مدينة مرند في أذربيجان أحد أمراء التركمان ويدعى طغتكين وكان خبيرًا بالغزو في تلك المناطق، واجتاز الجيش السلجوقي نهر الرس في طريقه إلى بلاد الكرج وفصل ألب أرسلان أثناء زحفه قوة عسكرية بقيادة ابنه ملكشاه ووزيره نظام الملك، هاجمت حصونًا ومدنًا بيزنطية، واستمرت فتوحاته الكبيرة في الأراضي الأرمينية.
فخضع لها ملك الكرج وسارع لمهادنة ألب أرسلان ومصالحته على دفع الجزية، وأصبح الطريق بعد ذلك مفتوحًا أمام السلاجقة للعبور إلى الأناضول، فتقدموا وسيطروا على دروب الأمانوس في عام 459 هـ وهاجموا قيصرية حاضرة كبادوكية، في العالم التالي. واستمروا في تقدمهم إلى أن وصلوا نيكسار وعمورية في عام 461 هـ. وإلى قونية في العالم التالي وإلى خونية القريبة من ساحل بحر إيجه في عام 463 هـ. وهكذا فتح ألب أرسلان بلاد الكرج والقسم الأكبر من أرمينية، ليشكل تحديًا لبيزنطة التي دقت طبول الحرب.
فاجتمع ملوك الروم على حرب السلاجقة، وخرج ملك الروم رومانوس في جمع كبير من الروم والروس والكرج والفرنجة وغيرهم من الشعوب النصرانية، حتى قدر ذلك الجمع بثلاثمئة ألف جندي.
معركة ملاذ كرد تبدأ
قال ابن كثير مُتحدثًا عن هذه الوقعة: “وفيها أقبل ملك الروم أرمانوس في جحافل أمثال الجبال من الروم والرخ والفرنج، وعدد عظيم وعُدد، ومعه خمسة وثلاثون ألفاً من البطارقة، ومعه مائتا ألف فارس، ومعه من الفرنج خمسة وثلاثون ألفاً، ومن الغزاة الذين يسكنون القسطنطينية خمسة عشر ألفاً، ومعه مائة ألف نقّاب وخفار، وألف روزجاري، ومعه أربعمائة عجلة تحمل النعال والمسامير، وألف عجلة تحمل السلاح والسروج والغرادات والمناجيق، منها منجنيق عدة ألف ومائتا رجل”.
وكيف كان جيش المسلمين في هذا الوقت؟
يقف عقلك عندما تعلم أن السلطان “ألب أرسلان” ألتقاه وجيشه وعددهم يقترب من عشرين ألف! التقاه السلطان بعد أن سلَّم أمره إلى ربه ودعاه وأخذ بالأسباب فأخذ بقول الفقيه “أبو نصر محمد بن عبد الملك البخاري” فكان وقت الوقعة يوم الجمعة حيث يكون الخطباء على المنابر في المساجد يدعون للمجاهدين، فلما حان هذا الوقت التقى الفريقان، فريق يقاتل لأجل أن تكون كلمة الله هي العليا، وفريق يقاتل دين الله ويحاربه أن يحكم في أرضه والمسلمين، التقت الفئتان في مكان يُسمّى الزهوة بشهر ذي القعدة.
كان عدد جيش المسلمين في هذا الحين قليل جدًا وخاصةً أمام هذا الكم الهائل من الجنود والعُدّة التي أعدها أرمانوس، ولم يكن هناك وقت كافي لطلب وإستدعاء ألب أرسلان لمدد من المناطق التابعة له، فأخذ قرار المباغتة -أي أن يحقق أي إنتصار خاطف يجعله قادرًا على المفاوضة وطلب الهُدنة من الإمبراطور البيزنطي-، وبدأ بتنفيذ هذا فهجم على مقدمة جيش الروم وحقق النصر الخاطف عليهم ثم ارتدّ سريعًا وبعث رسولًا يطلب الهُدنة، ولكن أرمانوس -الإمبراطور البيزنطي- رفض ذلك وقال: هيهات! لا هدنةَ ولا رجوع إلاَّ بعد أن أفعل ببلاد الإسلام مثل ما فُعل ببلاد الروم، وجاء في رواية أخرى: الصلح لن يتمَّ إلاَّ في مدينة الري عاصمة السلاجقة. ويقصد بذلك أن يكون تم إنهاء دولة السلاجقة ومقتل السلطان ألب أرسلان نفسه. وهُنا أدرك ألب أرسلان أنه لا مفر من القتال والمواجهة، فتوجه إلى الله واحتسب نفسه عنده، فبثّ في جنوده روح الجهاد في سبيل الله، ولكنه مازال قلقًا من مواجهة جيش الروم الهائل بهذا الجيش القليل، فأخذ مشورة أبو نصر محمد بن عبد الملك البخاري، وعمل بها.
كم خسر المسلمون يا تُرى؟
يشير عليك عقلك أنه حتمًا تكون الهزيمة على المسلمين ساحقة، فهؤلاء قوم أعدوا للمسلمين العُدّة لكي ينتقموا منهم، من قوم يقولون لا إله إلا الله فلن نعبد أحدًا سواه، ولن نتحاكم لغيره، ولسوف ننشر دينه في كل الأنحاء. ولكن هلّا تدبّرت معنى أن يكون الله ناصر عبده؟ قال الله -سبحانه وتعالى-: (ولينصرن الله من ينصره)، وقال -سبحانه وتعالى-: (إن تنصروا الله ينصركم)، بوعد الله يتعلّق قلب المسلم المجاهد، وبه فقط حين تنقطع من أمامه أسباب الدنيا.
نتائج الحرب كانت خسارة الروم أمام المسلمين، بل وأُسِرَ ملكهم -قبّح الله وجهه- “أرمانوس”، هذا وعد الله، ومن أصدق من الله قيلا!
0 تعليقات
أكتب لتعليق