المغرب الممكن
المداخلة التي قدمها وزير الصناعة والتجارة في البرلمان حول الاستراتيجية الجديدة للمغرب لما بعد كورونا تستحق أن نسميها، إن تم تطبيقها كما تم تقديمها، بالثورة الصناعية.
الوزير قال أمام النواب أنه طلب من موظفي وزارته إعداد لائحة كاملة بكل ما يستورده المغرب من الخارج لكي يتم حذف كل المواد التي لا حاجة لنا بها أو التي يمكننا تصنيعها محليًا.
تخيلوا أن المغرب رائد عالمي في صناعة معلبات السمك، لكننا لازلنا غير قادرين على صناعة المعلبات التي نضع فيها السمك ونشتريها من الخارج.
المغرب رائد في تصنيع السيارات، لكن قطع الغيار التي نحتاجها في هذه الصناعة نستوردها من الخارج.
والمغرب رائد في صناعة العصائر وهو من أكبر البلدان المنتجة للحوامض والفواكه، ومع ذلك لازلنا نستورد روح العصائر المركزة من البرازيل.
خلال هذه الجائحة اكتشفنا أن المغاربة قادرين على صناعة أجهزة تنفس اصطناعية وأجهزة طبية متطورة، ومع ذلك فالمغرب ظل يستورد أسرة المستشفيات وطاولات المدارس وكل المستلزمات الطبية.
لدينا منتجات فلاحية متنوعة ومع ذلك لدينا تخلف كبير في الصناعات التحويلية الغذائية، ونصدر هذه المنتجات كما هي لكي نستوردها مصنعة بالعملة الصعبة.
كل هذا يلخصه المثل المغربي الذي يقول اللي حرتو الجمل دكو، فالعملة الصعبة التي نربحها من وراء تصدير منتجاتنا نصرفها في استيراد مواد كان بالممكن إنتاجها داخليًا.
فعندما ننظر إلى الميزان التجاري نصاب حقيقية بالدهشة عندما نرى كيف أن المغرب، إحدى الدول التي تحتل مؤخرة الترتيب في سلم التنمية، يعاني من اختلال كبير في ميزان الواردات والصادرات، بسبب ضعف إنتاجه للمواد القابلة للتصدير وتعويله على استيراد أغلب حاجياته الاستهلاكية من الخارج، ولهذا يسجل الميزان التجاري عجزًا مزمنًا، والسبب هو أن المغرب يستورد ضعف ما يصدره.
والمغرب لا يستورد فقط المنتجات الباهظة المخصصة للهاي كلاص، وإنما حتى أبسط المنتجات الاستهلاكية الموجهة للطبقات المسحوقة. فحتى السليبات القطنية أصبحنا نستوردها من البانغلاديش. أما الولاعات التي نستوردها من الصين فقد وصل حجمها إلى 40 مليون بريكة سنويا، أي بريكة لكل مواطن.
وهكذا أغلق رجال الأعمال وحدات الإنتاج وأصبحوا يجلبون كل شيء من الصين، ومنهم من أغلق مصانعه هنا وأصبح يصنع منتجاته في مصانع بالصين لأن تكاليف الإنتاج أرخص.
وإذا استمرت وتيرة الاستيراد كما كانت عليه فإننا بدون شك سنستورد كيس الحمام من إسبانيا، والخرقة من إيطاليا، والكسال ربما سيكون صينيا هذه المرة، يضع في معصمه ساعة مقاومة للماء «مايد إن تشينا» يحصي بها دقائق كل تكسيلة.
ولعل الملاحظة الأساسية التي نخرج بها عندما نراجع لوائح المواد التي يصدرها المغرب، هي أننا لازلنا نعيش في قطاع الصناعة زمن الالتقاط البدائي، وهي الفترة التاريخية المعروفة عند علماء الإنسان بالفترة السابقة لاكتشاف الزراعة، حين كان الإنسان يعيش متنقلا على ما يلتقطه من الطبيعة، قبل أن يكتشف الزراعة ويستقر.
وهكذا فالصادرات التي يتفوق فيها المغرب، فهي أغلبها ملتقطة من الطبيعة ولا دخل للإنسان في تصنيعها. فالمغرب هو المصدر العالمي الأول للخروب، وهي ثمار تنتجها شجرة تنمو لوحدها في الأطلس والجنوب على حواشي الوديان. والمغرب هو المصدر العالمي الأول للصابون البلدي، الذي يستخرجه من بقايا عظام الزيتون المطحون. والمغرب هو المصدر العالمي الأول للغاسول الذي لا يكلف شركة آل الصفريوي سوى التقاطه من الأرض ووضعه في أكياس وتصديره.
وبما أن الحمير موجودة في المغرب بكثرة فإننا نحتل رتبة أول مصدرين عالميين للحمير، أعزكم الله. وحسب إحصائيات مكتب الصرف فالمغرب يصدر سنويا نحو إسبانيا وفرنسا حوالي 1500 حمار من الحمير المغربية الأصيلة. أما البابوش الذي يسرح في الخلاء ولا يحتاج إلى استثمارات لتربيته فالمغرب يصدر منه سنويا 10،500 طن.
وبالإضافة إلى الحيوانات فالمغرب يصدر حوالي 1300 طن من الترفاس إلى فرنسا التي تستعمله فنادقها الفخمة في وجباتها الغذائية نظرا لفوائده السحرية، والذي لا يكلف استخراجه من الأرض سوى نبش التراب.
في المتاجر الفخمة بالعواصم الأوربية يمكن أن تعثر على العسل بالترفاس، إضافة إلى منتجات أخرى باهظة الثمن يدخل الترفاس في صناعتها. عندنا يباع خاما للكيلو.
كما أن المغرب رائد عالمي في تصدير النعناع، وهو أول مصدر عالمي للكبار الذي تتم زراعته في آسفي، والذي لو كانت لدينا وحدات صناعية لاستخراج زيته لربحنا من ورائه أكثر من ما نربح من بيعه حبوبا.
نحن الوحيدون في العالم الذين لدينا ذهب سائل اسمه زيت أرغان، تجمعه وتدقه وتقليه وتطحنه نساء مقابل جوج فرنك وتستغله دور منتجات التجميل العالمية في صناعة مستحضراتها وإعادة بيعها لنا بدقة للنيف.
هذه إذن هي أهم منتجات صادرات المغرب، طبعا بالإضافة إلى الفوسفاط الذي تركته لنا عظام الأسماك والحيوانات المنقرضة منذ ملايين السنين، والسمك الذي يعيش ويتكاثر في البحر بدون أن نقوم بأي مجهود آخر غير رمي الشباك لاصطياده.
وبالإضافة إلى هذه المنتجات هناك إنتاج آخر نحقق فيه سبقا عالميا وهو إنتاج الزبل. والكارثة أننا عاجزون حتى عن جمعه، ولذلك تتعاقد مجالس مدننا مع شركات أجنبية لتخليصنا منه مقابل عشرات الملايير.
اليوم لم يعد مقبولًا أن نبدد العملة الصعبة في استيراد مواد ومنتجات نحن قادرون على صناعتها محليا. ولم يعد مقبولا أن نصدر منتجاتنا خاما كما هي دون الاستفادة من تصنيعها وتحويلها وتنويع استعمالاتها.
لذلك قلت في البداية أن مشروع وزير الصناعة والتجارة الذي عرضه في البرلمان، في حال تحققه على أرض الواقع، يعتبر ثورة صناعية، لأنه سيمنح للعبقرية المغربية المجال لكي تتفتق وتعطي أحسن ما عندها لبلدها وأبنائه ولشركائنا التجاريين.
رشيد نيني
0 تعليقات
أكتب لتعليق