عمود شوف تشوف .......... نخب تدرس أبناءها الصيدلة بدول المهجر .......... رشيد نيني

ضع كود إعلان هنا

الأحدث

6/recent/ticker-posts

عمود شوف تشوف .......... نخب تدرس أبناءها الصيدلة بدول المهجر .......... رشيد نيني


















كلها يضرب على عرامو
على الصعيد العالمي هناك صراع جبابرة بين المختبرات الدوائية العالمية حول عقار ولقاح لفيروس كورونا. هناك حوالي 120 مختبرًا عالميًا يتبارون ويسابقون الزمن لطرح عقاراتهم ولقاحاتهم قبل الآخرين. 
طبعًا فمختبرات الأدوية ليست جمعيات خيرية هدفها إنقاذ البشرية بل هي شركات رأسمالية بشركاء وأسهم في البورصات العالمية، بمعنى أن هدفها هو تحقيق أرباح لتوزيعها على المساهمين نهاية السنة. 
وقد رأينا كيف أن الباحث المغربي الأمريكي منصف السلاوي اضطر لطرح أسهمه بشركة "مودرنا" للبيع تفاديا لأي تضارب في المصالح، معلنا تبرعه بالأرباح لأبحاث السرطان. 
مما يعني أن منصف السلاوي ليس فقط مجرد باحث بل رجل أعمال أيضا لديه أسهم في الشركة التي تكلفت بصناعة اللقاح. وهذا ليس عيبًا، العيب هو أن نعتقد أن شركات الصناعات الدوائية والمختبرات ملائكة همهم الوحيد إنقاذ البشرية، فهذه شركات تعتبر الأكثر قوة وشراسة وخطورة في العالم، إنها أقوى حتى من لوبي شركات السلاح والبترول. 
وأمامنا نموذج واضح فيما يخص عقار الكرولوكين الذي وضعه الدكتور راوولت كبروتوكول علاجي لمرضى كورونا، والذي أعطى نتائج إيجابية في المغرب، رأينا كيف أن حملة عالمية قامت ضده وراءها مختبرات تمول مجلات طبية شهيرة، بعد ذلك أصدرت منظمة الصحة العالمية قرارا بتوقيف التجارب السريرية حول العقار، يوما بعدها اتخذت السلطات الطبية الفرنسية قرار وقف العلاج بالعقار رسميا في فرنسا. وحسنا فعل المغرب عندما لم يلق بالا لا لقرار منظمة الصحة العالمية، التي تغير مواقفها مائة مرة في اليوم، ولا لقرار فرنسا المحكوم بحروبها الصحية والسياسية الداخلية. 
سبب هذه الحرب أبسط مما تتصورون. الكرولوكين عقار يتم استعماله منذ الخمسينات، وسعره بخس جدا، ومكونات العقار أي la molécule سقطت عنها براءة الاختراع وبمستطاع أي مختبر صناعتها بلا حاجة لشراء حقوق الاستغلال، ولذلك فهذا العقار، رغم فعاليته، ليس مربحًا بالنسبة للمختبرات بل إن سمعته تشوش على العقارات التي أنفقت المليارات على أبحاثها والتي هي بصدد تصنيعها في الهند وباكستان والتي ستنزل قريبا للأسواق، والتي ستحتاج شركات الدواء في العالم بأسره من أجل إنتاجها شراء la molécule، والسعر طبعًا يقدر بمليارات الدولارات. 
سيقول قائل هذه حروب عالمية تدور بين مختبرات عملاقة ولا شأن لنا بصراعاتها، وأنا أقول أن المهم فيما ذكرت ليس هو الصراع في حد ذاته بل كيف تحول الدواء والبحث العلمي والممارسة الطبية إلى محرك للبورصات العالمية على حساب المهمة الأساسية للدواء وهي إنقاذ حياة البشر وتخفيف آلامهم.
وعندنا في المغرب نعيش نموذجًا مصغرًا من هذه الحرب بين الأطباء والصيادلة، خصوصا بعدما اقترح 
برلماني من حزب الاستقلال قبل أيام قانونا يبيح للصيادلة تغيير الدواء الذي يصفه الأطباء بدواء آخر جنيس يكون أقل ثمنا من الدواء الأصلي الذي اقترحه الطبيب في وصفته.
ولكي نشرح الفرق بين الدواء الجنيس والدواء الأصلي سنأخذ مثالا بسيطا، فأنت عندما تريد شراء سيارة هناك خياران أمامك، إما أن تشتري سيارة بالخدمات الأساسية أو سيارة بجميع الخدمات، أي toute option. الدواء الجنيس هو الدواء الذي يحتوي على la molecule الأساسية فقط، أما الدواء الأصلي فيحتوي على la molecule زائد مكونات أخرى إما تساعد الدواء هو سرعة انتشاره أو تقي من بعض الأعراض الجانبية إلى غير ذلك. ولهذا فسعر الدواء الجنيس أرخص لأن كلفة إنتاج الدواء الأصلي أغلى. مثل السيارة toute option تماما. 
حرب داحس والغبراء هاته التي اندلعت بين الأطباء والصيادلة وصلت حدودًا غير مسبوقة هدد فيها كل طرف بإخراج المدفعية الثقيلة دفاعا عن مصالحه. 
لأن الأمر بالنهاية يتعلق بمصالح، والغائب الأكبر في هذه المعركة هو مصلحة المريض. 
ولكي نفهم أصل الخلاف يجب أن نعود مرة أخرى للحديث عن المختبرات الطبية، فهذه المختبرات تنتج أدوية ولكي تسوقها فهي تعتمد على المندوبين الطبيين الذين يقومون بزيارات لعيادات الأطباء لتعريفهم بالأدوية الجديدة ويمنحونهم عينات منها، وليس هذا فحسب، فالأطباء الذين يصفون أدوية مختبرات بعينها يصبحون مرحبًا بهم في المؤتمرات العلمية والطبية التي تمولها هذه المختبرات، فيصبحون ضيوفًا دائمين على المؤتمرات التي تنظم في مختلف ربوع العالم، والإقامة والسفر والأكل على حساب الجهة المنظمة. 
طبعًا فالأطباء محتاجين لهذه اللقاءات العلمية والمؤتمرات التي تدخل في صميم عملهم، لذلك فهم يحرصون على احتكارها وعدم السماح للصيادلة بالدخول إليها واستقبال المندوبين لشركات الأدوية. 
وطبعا فالمندوبين الطبيين الذين يزورون الصيادلة يسوقون لنوع آخر من الأدوية هي الأدوية الجنسية، التي تعتبر أرخص من تلك التي يصفها بعض الأطباء.
ومن هنا جاء مطلب منح الصيادلة حق تغيير الأدوية الأصلية التي يصفها الأطباء بأخرى جنيسة تشبهها في جميع الخصائص الأساسية إلا في الثمن. 
هنا ثارت ثائرة الأطباء، كيف يجرؤ الصيدلي على المطالبة بتغيير وصفة الطبيب ؟ 
وهناك من الأطباء من ذهب إلى حد منح الأطباء حق بيع الدواء لمرضاهم مباشرة حتى يقطعوا على الصيادلة فرصة الحصول على هذا الامتياز. 
شخصيا أرى أن مصلحة المريض هي التي يجب أن توضع في المرتبة الأولى، مع حفظ مصالح الصيادلة والأطباء كل في مجال اختصاصه. 
فالطبيب تنتهي مهمته عندما يشخص المرض ويصف له دواء، وإذا غير الصيدلاني وصفة الطبيب ومنح المريض، برغبته أو بدونها، أدوية غير تلك التي وصفها له الطبيب ووقعت مضاعفات فالصيدلاني هو من يتحمل المسؤولية وليس الطبيب، وصلاحية ترتيب الأثر القانوني تقع على عاتق القانون وليس للطبيب أية سلطة على الصيدلاني. 
وعلى العموم فالأمر يتعلق بمقترح قانون ربما لن يكون له حظ ليعرض في جدول أعمال مجلس النواب مادامت الأفضلية تعطى لمشاريع القوانين، إلا أنه عرى عن مجموعة من الاختلالات نحن بأمس الحاجة لمعرفتها عشية الخروج من الحجر الصحي وإعلان النوايا الذي أعلنته الحكومة هذه الأيام بتأثير الحماس الذي خلقته الحرب ضد كورونا للنهوض بالقطاع الصحي.
المشكلة أن أي إقلاع للقطاع الصحي يصطدم باختلالات بنبوية وبضغوط لوبي الصيادلة والأطباء على السواء الذين يرفضون التضحية بأية مغانم قديمة.
والصيادلة المبتهجون بالقرار كان عليهم أن يحلوا أولا مشكلة غياب بعضهم المزمن عن صيدلياتهم لقضاء مآرب أخرى تاركين أمور بيع الدواء لمساعديهم.
زد على ذلك أن بعضهم كل همه أن يحافظ على منافع القرب من مندوبي شركات الأدوية من دون الأطباء لأجل الظفر بنصيبه من السفريات والهدايا المختلفة.
وهناك من الأطباء من يجتهدون ويفتون بأن المندوبين في الحقيقة يؤدون خدمة للبحث العلمي من خلال تأمين حضور الأطباء للمؤتمرات الطبية الوطنية والعالمية وبالتالي فالأمر لا يتعلق بأي ريع بل بحق في التكوين المستمر الذي هو أكثر حيوية للطبيب منه الصيدلاني .
كل هذا يحدث في غياب غير مفهوم لجمعيات حماية المستهلك التي عليها أن تبدي رأيها في الموضوع خصوصا وأن المريض يعوض على أساس الدواء الجنيس من طرف منظمات الاحتياط الاجتماعي. 
الأطباء أعلنوا من خلال جمعياتهم أن هذه مسأله حياة أو موت، معلنين رفضهم أي تغيير. فهم لا يجدون حرجا في إجراء كشوفات واستشارات عبر تقنيات الفيديو والوتساب معتبرين أن ذلك لا يضر بجودة التدخل الطبي، بينما يشككون في قدرات الصيادلة على مجرد التمييز بين دواء أصلي ودواء جنيس. بل إن منهم من يتهم هؤلاء بأنهم لا يعرفون على وجه التحديد بعض الأدوية الخاصة ببعض الأمراض المستعصية ويوشكون على ارتكاب أخطاء كبيرة، في حين أن هذا الأمر معمول به في كثير من دول العالم، كفرنسا التي تعطي الحق للصيدلاني في تغيير الدواء الذي يصفه الطبيب بدواء مثله في الخصائص العلاجية. 
وطبعا فهناك من يرى أن الأمر وراءه نخب تدرس أبناءها الصيدلة بدول المهجر وتري أن تنقل لفلذات أكبادها هذا الريع. 
وفي رأيي المتواضع فالحل الأنسب يجب أن يستهدف حماية المستهلك بالدرجة الأولى، بحيث يسمح للمندوبين الطبيين للمختبرات الاستمرار في زيارة الأطباء. ويعطى حق تغيير الدواء بدواء جنيس للصيدلي، خصوصا أن منظمات الاحتياط الاجتماعي تعوض المنخرطين على أساس ثمن الدواء الجنيس، مع منع المندوبين من زيارة الصيادلة.
هكذا لن نكون أبدا أمام تضارب مصالح، وإذا كتب الطبيب أمام الدواء أنه غير قابل للتعويض فينبغي على الصيدلاني احترام وصفة الطبيب حتى يظل هذا الأخير مسؤولا عن نتيجة العلاج. 
غير هذا ستستعر نيران هذه المعركة أكثر في وقت يحتاج فيه المغاربة أطباءهم وصيادلتهم ومختبراتهم الطبية إلى جانبهم وليس ضدهم.
رشيد نيني

إرسال تعليق

0 تعليقات