ي منتصف الثمانينات هجم جيش حافظ الاسد على مدينة طرابلس شمال لبنان تحت غطاء من تجمع ميليشيات موالية له للسيطرة عليها وانهاء تنظيم اسلامي اسمه التوحيد كان يتحكم بها .
ارتكبت قوات الاسد مجازر مروعة وقصفت المدينة بالمدفعية وحاصرتها شهرا كاملا قبل ان تسقط .. وبعد دخولهم استباحوها واعتقلوا مئات الشباب .
كان في المدينة شاب في التاسعة عشرة اسمه محمود . لا علاقة له بالسياسة . عامل في ورشة حدادة يساعد في إعالة امه الأرملة وإخوته وهو وحيدها من الذكور .
ذات صباح استقل سيارة اجرة في طريقه الى الورشة فصادف حاجز ا سوريا طيارا .. عسكريان ومعهما ملثم ( الملثمون هم عملاء أكثرهم علويون من جبل محسن المجاورة الموالية للاسد ) بمجرد ان يشير الملثم بإصبعه على احدهم فهذا يعني اعتقاله ونهايته .
لسبب ما ربما لثأر سابق بين صبية الحارات او لقبض ثمن رفع الاصبع في اتجاه الشاب وفي اتجاه رجل اخر في السيارة .. انزلا وغابا .
مر النهار وجاء الليل والفتى لم يعد .. يوم يومان يبحثون عنه بلا اثر ..
في الليلة الثالثة قبيل انتصاف الليل سمعت الام طرقا خفيفا على الباب .. فتحت فوجدت امامها رجل يعرفونه من زمن بعيد يبيع الحليب والأجبان في المنطقة وكان على علاقة ود بزوجها الراحل .. قال لها الرجل وهو علوي من "الجبل" جملة واحدة كرمى لرفقة الايام الخوالي : ابنك يا حاجة بمركز الاستخبارات بالقبة .. وانا اعمل هناك في اعمال تنظيف وجلب اغراض وقد رايته .
كالصاعقة وقع الخبر عليها وكادت تفقد الوعي.. وحيدها خلف تلك الجدران الرهيبة حيث الفناء
اكمل الرجل قائلا : عليك ان تسرعي سمعت انهم سيرحلونهم في الصباح الى الداخل السوري .. وهناك سيُصبِح الموضوع اصعب .
هل يعذبونه ؟ سالت باشفاق فاجاب لا اعرف . اسرعي و تصرفي .
ماذا افعل سالت بيأس ، قال كلمي مسؤولا ، وهم يحبون المال ..
لا تعرف السيدة احدا .. خرجت في الليل تهيم في الشوارع المقفرة .. نظرت الى معصمها فرات سوارين ذهبيين هما ما بقي لها من متاع الدنيا .. خلعتهما وتوجهت الى بيوت ابنتيها المتزوجتين و اخواتها فاخذت ما يملكن من بسيط المصاغ حتى خواتم زواجهن ..لفتهم في صرة صغيرة ووقفت امام المركز تنتظر .
أشرق الصبح جاءت سيارة عسكرية لمحت فيها ضابطا.. ارتمت عليها ففتح الباب صارخا شاتما ، وضعت الصرة في يده وقالت كلمة واحدة : ابني ! فتح الصرة ونظر فيها وقال لها اتبعيني وعندما يخرجون اشيري اليه ..
في باحة داخلية في المركز الذي كان مدرسة حولوها الى مسلخ شاهدت طابورا من وجوه مدماة وشبه جثث تمشي .. لم تعرف ابنها الا من قميصه اشارت اليه بهلع فأشار الضابط اليه وقال لهما يلا انقلعوا " .. وأعين باقي الطابور تنظر إليهما بيأس ورجاء حتى غابت في السيارة المقفلة الى الابد ..
بقي الشاب عاما مختبئا في منزل أنسباء لهم في منطقة جبلية حتى حصل علي تاشيرة الى استراليا .. تزوج هناك وأنجب واحضر والدته لزيارته مرة قبل ان يقعدها المرض ولم يعد الى لبنان الا بعد ٢٠٠٥ عندما خرجت قوات النظام السوري .
هذه العائلة انا اعرفها ولا انسى كلمات الام وهي تردد بحسرة انها لا تنفك تشاهد في مناماتها عيون باقي الشبان تنظر اليها من الموت حين كانت تـخرج ابنها وهم يسيرون الى جحيمهم المجهول .
السيدة توفيت مؤخرا والشاب اصبح في خمسينه وما زال المجرمون انفسهم يقتلون ويعذّبون .
هذه سوريا الاسد
ارتكبت قوات الاسد مجازر مروعة وقصفت المدينة بالمدفعية وحاصرتها شهرا كاملا قبل ان تسقط .. وبعد دخولهم استباحوها واعتقلوا مئات الشباب .
كان في المدينة شاب في التاسعة عشرة اسمه محمود . لا علاقة له بالسياسة . عامل في ورشة حدادة يساعد في إعالة امه الأرملة وإخوته وهو وحيدها من الذكور .
ذات صباح استقل سيارة اجرة في طريقه الى الورشة فصادف حاجز ا سوريا طيارا .. عسكريان ومعهما ملثم ( الملثمون هم عملاء أكثرهم علويون من جبل محسن المجاورة الموالية للاسد ) بمجرد ان يشير الملثم بإصبعه على احدهم فهذا يعني اعتقاله ونهايته .
لسبب ما ربما لثأر سابق بين صبية الحارات او لقبض ثمن رفع الاصبع في اتجاه الشاب وفي اتجاه رجل اخر في السيارة .. انزلا وغابا .
مر النهار وجاء الليل والفتى لم يعد .. يوم يومان يبحثون عنه بلا اثر ..
في الليلة الثالثة قبيل انتصاف الليل سمعت الام طرقا خفيفا على الباب .. فتحت فوجدت امامها رجل يعرفونه من زمن بعيد يبيع الحليب والأجبان في المنطقة وكان على علاقة ود بزوجها الراحل .. قال لها الرجل وهو علوي من "الجبل" جملة واحدة كرمى لرفقة الايام الخوالي : ابنك يا حاجة بمركز الاستخبارات بالقبة .. وانا اعمل هناك في اعمال تنظيف وجلب اغراض وقد رايته .
كالصاعقة وقع الخبر عليها وكادت تفقد الوعي.. وحيدها خلف تلك الجدران الرهيبة حيث الفناء
اكمل الرجل قائلا : عليك ان تسرعي سمعت انهم سيرحلونهم في الصباح الى الداخل السوري .. وهناك سيُصبِح الموضوع اصعب .
هل يعذبونه ؟ سالت باشفاق فاجاب لا اعرف . اسرعي و تصرفي .
ماذا افعل سالت بيأس ، قال كلمي مسؤولا ، وهم يحبون المال ..
لا تعرف السيدة احدا .. خرجت في الليل تهيم في الشوارع المقفرة .. نظرت الى معصمها فرات سوارين ذهبيين هما ما بقي لها من متاع الدنيا .. خلعتهما وتوجهت الى بيوت ابنتيها المتزوجتين و اخواتها فاخذت ما يملكن من بسيط المصاغ حتى خواتم زواجهن ..لفتهم في صرة صغيرة ووقفت امام المركز تنتظر .
أشرق الصبح جاءت سيارة عسكرية لمحت فيها ضابطا.. ارتمت عليها ففتح الباب صارخا شاتما ، وضعت الصرة في يده وقالت كلمة واحدة : ابني ! فتح الصرة ونظر فيها وقال لها اتبعيني وعندما يخرجون اشيري اليه ..
في باحة داخلية في المركز الذي كان مدرسة حولوها الى مسلخ شاهدت طابورا من وجوه مدماة وشبه جثث تمشي .. لم تعرف ابنها الا من قميصه اشارت اليه بهلع فأشار الضابط اليه وقال لهما يلا انقلعوا " .. وأعين باقي الطابور تنظر إليهما بيأس ورجاء حتى غابت في السيارة المقفلة الى الابد ..
بقي الشاب عاما مختبئا في منزل أنسباء لهم في منطقة جبلية حتى حصل علي تاشيرة الى استراليا .. تزوج هناك وأنجب واحضر والدته لزيارته مرة قبل ان يقعدها المرض ولم يعد الى لبنان الا بعد ٢٠٠٥ عندما خرجت قوات النظام السوري .
هذه العائلة انا اعرفها ولا انسى كلمات الام وهي تردد بحسرة انها لا تنفك تشاهد في مناماتها عيون باقي الشبان تنظر اليها من الموت حين كانت تـخرج ابنها وهم يسيرون الى جحيمهم المجهول .
السيدة توفيت مؤخرا والشاب اصبح في خمسينه وما زال المجرمون انفسهم يقتلون ويعذّبون .
هذه سوريا الاسد
0 تعليقات
أكتب لتعليق